المئات من أبناء مجدل سلم يشاركون في أضخم عمل مسرحي جنوبي
في أسفل وادي القيسية خراج بلدة مجدل سلم (مرجعيون)، تجمّع الآلاف من أبناء الجنوب والوافدين من مختلف المنناطق اللبانية، لحضور “واقعة الطف”، بعد أن أقدمت جمعية الزهراء التي يديرها العلامة الشيخ علي ياسين على شراء أرض تم تجهيزها بما يلزم لتمثيل “واقعة الطفّ”، فشيّد المسرح من طبيعة المكان، وتحولت الجبال المطلّة على المسرح الى مدرّجات يجلس الأهالي على صخورها، والممثلون يرتدون ثياب التمثيل الخاصّة بمصرع الحسين وأنصاره.
الدروع القديمة المصنوعة يدوياُ، والسراويل والعمامات الخضراء والسوداء، ويحملون السيوف وبعض الرماح الحديدية ويتوجهون الى الوادي المجهّز بالخيم والنخيل الطبيعي الذي أصبح من طبيعة أرض الوادي بعد أن تمت زراعته منذ عدة سنوات.
يقول الممثل ابن البلدة أبو مصطفى ياسين أن “التمثيل الارتجالي بدأ في وسط البلدة، بأساليب ارتجالية مستفيدين من قصة مقتل الحسين وأصحابه، حيث كان الشيخ عبد الحسين ياسين يشرف على التمثيل المقدم بأبسط الامكانيات معتمدين على بعض الألبسة والدشاديش ومسجلات الصوت، فلقي العمل وقتها استحساناً من الأهالي، فتشجع الشباب المتطوعون وأكملوا عملهم هذا، وفي كل عام، مع تحسينات اضافة، ليصبح لنا شهرة خاصة في القرى والبلدات المحيطة، وتوسعت شهرتنا فيما بعد الى جميع البلدات الجنوبية”.
في العام 1987 أخذ العمل التمثيلي لواقعة الطف بعداً فنياً متطوراً بهمة الشابين موسى ياسين والشهيد خضر وهب، الذي استشهد أثناء مقاومته للاحتلال في العام 1993، ليتطور العمل بسرعة لافتة، حتى أصبح الشباب الممثلون يطلبون الى بعلبك والبقاع.
في كل عام، ومنذ بدء مراسم عاشوراء، تصبح بلدة مجدل سلم ( مرجعيون)، أشبه بخلية نحل يتسابق فيها أبنائها على القيام بما يلزم لاستقبال الوفود الزائرة لحضور مسرحية عاشوراء التي تقام في العاشر من محرم. اذ تستقل ” جمعية الزهراء ” فيها باقامة المسرحية العاشورائية، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، والتي تعتبر من أكبر المسرحيات العاشورائية التي تعرض مباشرة في الهواء الطلق، في جنوب لبنان، ويشارك فيها أكثر من 400 ممثل، بينهم نحو 250 شخص من الذين تمرسوا في تمثيل الواقعة، على مدى سنوات طويلة.
يبين رئيس الجمعية الشيخ علي ياسين أن “أول عمل تمثيلي مباشر لواقعة كربلاء في البلدة، كان في العام 1952، باشراف السيد محمد حسن فضل الله، ابن بلدة عيناتا، لكن هذا العمل توقف بسبب أحداث محلية، عام 1952، ليعود الى الانطلاقة مجدداً عام 1984″، في العام 1985 قرّر 9 من شبان البلدة، تمثيل الواقعة على طريقتهم الخاصة، مستفيدين من حماسة الأهالي ومشاركتهم الواسعة، الأمر الذي حقق نجاحاً لافتاً، بحضور المئات من أبناء المنطقة، ما شجع المتطوعين على الخضوع لدورات متخصصة في التمثيل، وحمّس عشرات الأهالي على التطوع لهذا العمل، الذي سرعان ما ذاع صيته في معظم المناطق اللبنانية. يشير موسى ياسين، أحد المؤسسين، والكاتب المسرحي، الى أن مؤسسي فرقة التمثيل في البلدة استشهد منهم 4 مقاومين، في حروب خاضوها مع العدو الاسرائيلي، لكن الجمعية استطاعت ورغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها أن تصبح من أهم الفرق المسرحية والتمثيلية اللبنانية، والتي باتت تعرض مسرحياتها في أكثر من بلد في العالم، بعد أن خضع المتطوعون فيها لدورات متعددة، في العمل المسرحي.
ويبين أن من أهم المسرحيات التي تم عرضها هي مسرحية “جرح وأرض” التي عرضت في قصر الاونسكو في بيروت، ومسرحية ” فجر المقاومة” التي باتت تعرض في طهران بمناسبة ذكرى الثورة الاسلامية في ايران.
يحرص ياسين على كتابة المسرحية، بشكل مختلف، كل عام، يدخل عليها ما تم الاتفاق عليه من قبل اللجنة المشرفة، اذ تؤخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والاجتماعية التي تتعرض لها المنطقة.
“للمسرحية هدف رئيسي هو توعية الأهالي على قضايا المنطقة، ومآسيها، وتحريك مشاعر الحضور نحو العمل المقاوم”، يقول ياسين، مشيراً الى أن “عددا كبيراً من المشاركين في تمثيل المسرحية يتفرغون بالكامل قبل أيام من بدء عاشوراء، ومنهم من يترك مهجره، خارج لبنان، ليشارك في التمثيل والعمل على انجاح المسرحية الحسينية، وبشكل مجاني”.
استطاعت الجمعية خلال السنوات الماضية أن تؤمن جميع مستلزماتها، من حيث اللباس والمعدات الالكترونية، وحتى تجهيز مكان المسرحية (5000 متر مربع)، والتلال المحيطة به، بالبنى التحتية اللاّزمة، اضافة الى وجود طاقم بشري متخصّص في التصاميم والديكور والأزياء والتجميل، وفرق تهتم بالضبط الاداري والتوثيق والكتابة والاخراج، والصوتيات والاعلام.
وجميع هؤلاء خضعوا لدورات متخصصة، وفي أكثر من مكان. ولما كانت خدمة آلاف المشاهدين والاهتمام بهم، تتطلب تأمين الطعام والشراب، تم اقامة مطبخ خاص يؤمن الطعام لأكثر من 20 ألف مشاهد، اضافة الى انشغال معظم نساء البلدة بطبخ “الهريسة” في منازلهن، وتقديمها مجاناً للوافدين الذين يصل عددهم أحياناً، الى 60 ألف وافد، من جميع المناطق اللبنانية، من بينهم عدد من مسيحيي المنطقة.
ويذكر موسى ياسين، أن الجمعية خرّجت العشرات من هواة التمثيل، الذين باتوا يشاركون اليوم في أعمال فنية مسرحية وتلفزيونية، مثل “الغالبون” و “قيامة البنادق”.
ويعمد عدد من أبناء البلدة الى التطوع لاقامة الولائم لاطعام معظم المشاركين في مجالس العزاء الحسينية، بعد حصولهم على تبرعات من الأهالي والجمعيات الخيرية. وتعتبر ايمان ملحم أن “معظم عائلات البلدة تتحضّر منذ المساء لطبخ الهريسة وتوزيعها عند الظهر على الوافدين الى البلدة”.
في أسفل وادي القيسية، خراج البلدة، شيّد المسرح الحسيني الدائم، الذي تتحوّل الجبال المطلّة عليه الى مدرّجات يجلس الأهالي على صخورها. أما الممثلون فيرتدون ثياب التمثيل الخاصّة بمصرع الحسين وأنصاره، من دروع قديمة مصنوعة يدوياُ، و”سراويل” و”عمامات” خضراء وسوداء، ويحملون السيوف وبعض الرماح الحديدية ويتوجهون الى الوادي المجهّز بالخيم والنخيل الطبيعي الذي أصبح من طبيعة أرض الوادي بعد أن تم زراعته منذ عدة سنوات.
بعض الشباب من المشاهدين يحضرون معهم عدتهم الخاصة من “الأركيلة” وبعض المشروبات والأطعمة، التي توزع من قبل أبناء البلدة، وكل ذلك “للتمكن من الصمود، تحت أشعة الشمس الحارقة، لمشاهدة أضخم عمل مسرحي في الجنوب”.
داني الأمين